جوهرة الكون..

10 Dec 2021

"جوهرة الكون تُختصر بامرأة سعيدة تعيش حياة آمنة كريمة في مجتمع يحتضنها ويقدرها.."

‏حماية المرأة وصون حقوقها يدخلان في صميم المبادئ الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان ‏وقد شكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة  في العام 1948 محطة مهمة لناحية قوة تأثيره على المواضيع المتعلقة بحقوق المرأة حيث اعترف بشكل واضح  بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، ‏وقد شجع على صدور العديد من الإتفاقيات الدولية التي تعنى بالنساء فقط أبرزها إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "CEDAW" التي تُعتبر الشرعة الدولية لحقوق المرأة حيث اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 1979 ودخلت حيّز النفاذ في أيلول 1981 وإتفاقية إعلان القضاء على العنف ضد المرأة التي أعلنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1993. 

 

*حق المرأة في أن تعيش حياة آمنة وبكرامة

المرأة هي نواة المجتمع وأساس تطور المجتمعات وتقدّمها، فهي شريكة الرجل في بناء المستقبل والأم القائدة القادرة على تربية شباب وشابات المجتمع تربية حسنة ودورها لا يقل أهمية عن دور الرجل في المجتمع، من أجل هذا كله يجب أن تتمتع بالاحترام والتقدير وأن تصنع قرارها بمفردها وتنمي قدراتها فترسم مستقبلها بنفسها وتحظى بحياة آمنة كريمة بعيداً عن الخوف والاستغلال.

‏ لذلك يتوجب على المرأة ممارسة وإدراك حقوقها كاملة حيث تتضمن غالباً القضايا المتعلقة بمفاهيم حقوق المرأة : الحق بالشعور بالأمان الجسدي والنفسي، الحق بالتمتع بالراحة وحرية التعبير عن نفسها دون الخوف من التحيز ضدها أو الأذى، الحق بالتعليم الذي ينعكس بشكل إيجابي على رفع مستوى الوعي لديها والتقليل من حالات الزواج المبكر ورفع مستوى المعيشة، الحق بالحصول على السكن الملائم، الحق بالصحة والرعاية الطبية اللازمة، الحقوق الإنجابية، الحق بمنح الجنسية لأولادها إسوة بالأب، الحق في الملكية، الحق في إبرام العقود القانونية، الحق بالعمل والمساواة في الأجور، الحق بالمشاركة السياسية الكاملة والفعالة كالترشح للانتخابات والتصويت، الحق بتولي الوظائف العامة وتأدية جميع المهام العامة كأن تشغل أعلى المناصب في الوزارات والخدمة المدنية والادارة العامة، وتكافؤ الفرص في القيادة على كافة مستويات صنع القرارات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية…الخ

 والجدير بالذكر ان إعطاء المرأة حقوقها لا يقتصر على إتاحة الفرص لها فحسب، انما يشمل تغيير طريقة تعامل المجتمع معها بما في ذلك اعتماد سياسات جديدة والإهتمام بالمنظمات الخاصة بها مما يساهم في ازدهار المجتمع وتقدمه.

 

*إحتضان المجتمع للمرأة ولقدراتها

‏يبقى المجتمع آمناً ما دام يحتضن المرأة وينمي قدراتها ويطورها. ‏فنهضة المجتمع وتنميته لا تتحقق إلا بوجود المرأة بجانب الرجل والمساواة بينهما، حيث بات تمكينها وتعزيز دورها ضرورة ملحة لتكون عضواً مؤثراً وعنصراً فاعلاً في مسيرة النهضة والتنمية.

لذلك يجب ‏تبني كافة الإجراءات اللازمة لتأمين حقوقها ومنها القوانين والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمناهضة كافة أشكال التمييز العنصري ضد المرأة ومساعدتها على الإختلاط في المجتمع والمساواة مع الرجل في ميدان العمل والتعليم، لا سيما أن إتاحة الفرصة لها بالتعلّم تحدّ بشكل كبير من ظاهرة الزواج المبكر (الفتاة التي تتزوج في سنّ صغيرة هي أكثر عرضة للعنف المنزلي وتعاني من مشاكل إقتصادية وصحيّة كما تقلّ نسبة إحتمال بقائها في المدرسة)، أما إتاحة المجال لها بالعمل يمنحها فرصة مهمة لإكتساب خبرات مختلفة في العلاقات المجتمعية ما ينعكس على حياتها بشكل إيجابي ويمنحها الشعور بالإنجاز ويزيد من تقديرها لنفسها وتنمية ذاتها خاصةً أنها تستطيع الموازنة بين العمل والأسرة. كما يتوجب تَضمُّن التربية العائلية فهماً سليماً للأمومة بوصفها وظيفة إجتماعية والإعتراف بكون تنشئة الأطفال وتربيتهم مسؤولية مشتركة بين الأب والأم مع الأخذ بعين الإعتبار مصلحة الطفل الفضلى.

ويقتضي تشجيع ودعم المرأة على المشاركة السياسية مما يؤدي الى إضافة قيم ومبادئ تتعلق بتحقيق الإنصاف والتعاون وزيادة الإستجابة لمتطلبات المواطنين كما له الأثر الكبير في سنّ المزيد من القوانين والسياسات التي تعطي الأولوية للعائلات والنساء والأطفال.

كما يتوجب تأمين حصولها على الدعم الإجتماعي والمعنوي والقانوني، ومساعدتها في الحصول على الخدمات الآمنة المختصة بالإستجابة لحالات العنف القائم على النوع الإجتماعي. فالكثير من النساء تتعرضن لخطر العنف في المنزل أو العمل مثلاً (يؤثر العنف في العمل على قدرة المرأة بالحصول على عملٍ والاحتفاظ به، كما يؤثر على إنتاجيتها). 

إضافة الى ذلك ‏يقتضي اتخاذ جميع التدابير اللازمة بما في ذلك التشريعية منها لمكافحة جميع أشكال الإتجار بالمرأة واستغلالها وحماية المرأة لا سيما في أوقات الحروب والإحتلال والنزاعات.

 

*دور المؤسسات والجمعيات في دعمها وتمكينها ومساندتها في غياب المعيل

يبرز الدور الرئيسي للمؤسسات والجمعيات في دعم المرأة وتمكينها ومساندتها عبر وضع برامج وإجراءات تهدف الى التثقيف وزيادة الوعي في المجتمع عن طريق عقد ندوات ومؤتمرات تهدف الى التوعية المستمرة ومحو الأميّة القانونية للفتيات والنساء لا سيما في غياب المعيل.

تدعم المؤسسات والجمعيات ضحايا العنف خاصة من الفتيات والنساء المعنَّفات وذلك عبر تقديم الخدمات الطبية والنفسية والقانونية لمساعدتهن وتمكينهن من إيجاد سبل للعيش بكرامة وأمان.

إضافة الى إعداد حملات إعلامية للقضاء على الممارسات الضارة بالفتاة الصغيرة ومن بينها ظاهرة الزواج المبكر عبر توعية المجتمع بالآثار السلبية لهذا الزواج بهدف الحدّ من هذه الظاهرة، والعمل على التنشئة الإجتماعية التي تحدّ من تنمية الطفلة بصورة طبيعية ونشر الوعي لا سيما في المناطق الريفية بأهمية مشاركة المرأة في المجتمع والتأكد من حصولها على نوعية تعليم جيد ومنصف.

كما تلعب المؤسسات والجمعيات دوراً أساسياً في تمكين المرأة عبر دعم المشاريع الصغيرة للنساء ربّات المنازل ومساعدتهن على تسويق المنتجات إضافة الى تمكين المرأة بأحدث وسائل التكنولوجيا عبر وضع سياسات لمساعدتها على مواكبة التطورات المستقبلية وإعداد إطار عمل لسياسة متكاملة لدعم عملية تنمية مساهمة المرأة في ريادة الاعمال وتنفيذ حملات دعائية واسعة النطاق لإلقاء الضوء على أهمية ريادة المرأة للأعمال وقيمتها للإقتصاد والمجتمع وتشجيعها على الإنخراط في العمل...

 

‏تثقيف المجتمع بأهمية دور المرأة أصبح ضرورة ملحّة لذلك يجب على كل مؤسسات المجتمع أن تقوم بهذا الدور بصورة إيجابية وتعمل على إزالة كل الصعوبات التي تمنع من تمكين المرأة وتوفير المعلومات لها وتوعيتها بشأن المسائل المتعلقة بحقوقها كافة.

 

الدكتورة باتريسيا القزي

دكتوراه دولة في القانون الدولي الخاص

جامعة رين 1 - فرنسا

أستاذة محاضرة في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية

محامية بالاستئناف

 

شارك عبر: