التطوع صلة النجاح..

05 Dec 2020
طرقتُ جرس مركز جمعية صلة،  سمعتُ عنها أنها جمعيّة تهتم بالقضايا الإنسانية، و خاصة فيما يخصُّ المرأة و الطفل، و تعملُ على تأهيل المتطوعات و تدريبهن. 
هناك رحَّبت بي آنسةٌ رقيقة و قالت: "مرحبًا، كيف أساعدكِ؟"
 قلتُ بثقةٍ: " أريدُ الإنتساب إلى جمعيتكُنَّ"
أجابت: " على الرَّحبِ و السّعة" 
و لامستُ القلم ودوَّنتُ معلوماتي الشخصيّة و مهارتي في الكتابة و ضآلة خبرتي في العمل الإنساني، بينما الآنسةُ كانت تحدثني عن الجمعية. 
لامستُ القلمَ و لم أكُ أعلمُ أنني أخطو نجاحاتي الأولى أخيرًا.

 

أيُّها السَّادة،  

قيل عن التطوع يومًا أنه أرقى الأعمال الإنسانية على الإطلاق، يرفعُ الإنسانَ بعقله و أخلاقه و علمه، و يفتحُ لنا أقنيةً لنجاحاتٍ لم نتوقعها... 
 الكلام عن التطوع كثير، و لكن اليوم أكتبُ لكم عن تجربتي  هذه  كمتطوعة في جمعية صلة لأثبت هذه المقولة. 
في صيف عام ٢٠١٨، لن أنسَ مشاركتي الأولى في نشاط نظمته جمعيّة صلة بالإتفاق مع المتطوعات.
و بدأت مسيرتي التطوعيَّة. كان نشاطًا يضمُ ٣٠٠ طفلٍ تقريبًا جاؤوا لا يريدون شيئًا سوى اللعب، اللعب فقط.
الوقتُ كان حافلًا بإبتساماتهم ، و الأغاني الطفولية  ، و الألعاب، و بساطة الهدايا ، و جهد المتطوعات ، و الموظفات.
الأوقات الثمينة لا تُنسى. لم أنسَ بعد بهجة الأطفال التي نُقِشَت على قلوبهم البريئة. 
صحيح أنني لستُ طفلةً، و كانت هذه مشاركتي الأولى مع صلة، أعادتني إلى سنواتِ طفولتي التي لطالما أحببتُ أن أعود إليها يومًا. 
جميلٌ أن نرى فرحة الآخرين، و لكن الأجمل، إذا كُنَّا نحن من نقدمها فتعود إلينا بلا مقابل. 
في العادةِ ما يُدفعُ لا يُسترد، و لكن العمل الإنساني نقد هذه المقولة. كان جسدي متعبًا حقًا، ولكن في ذات الوقت، كنتُ أُعوضُ تعبي بنظرةٍ إلى عيون الأطفال الضاحكة و ابتساماتهم و حركاتهم اللطيفة.
هنا لا وقت للحزن، كلنا كنَّا سعداء.
أيام قليلة بعدها ، و ضجَّ في لبنان إحتفال كبير نظّمته جمعيتنا، و بالطبع كنت أول من شاركتُ به. 
الآلاف من الناس الكبار والصغار أتوا ليشاركونا فرحتنا في عيد الأضحى. 
مهرجان "منفرح سوا"، كان من أضخم المهرجانات التي ضمَّت الآلاف من الناس من كل بقعة في لبنان.
لم أرَ مثل هذا العدد في حياتي، و لم يسبق لي أن كنتُ مشرفةً على مئات الأطفال الذين كانوا يلعبون في الألعاب المطاطيّة. 
جمال فرحتهم و فرحة أهاليهم تكفيني حتى أن أكونَ سعيدة و في قمة راحتي. 
قبل المهرجان، طلبت مني الإدارة أن أقف أمام الكاميرا لأشارك بقول الإعلان عن هذا الحفل الكبير، بالطبع لم أكنْ أملك مهارات الكلام و لا حتى الوقوف أمام الكاميرا لأول مرّة، كنت مرتبكة حقًا، ولم أتراجع بل  تشجعت. 
إذن، بعد أولى مشاركاتي ماذا أضافت صلة في حياتي الإجتماعية والتّطوعية ؟
اسمعْ، إذا أردْتَ أن تصلَ، تشَجَّعْ، و شـاركْ، و افشلْ، وانهضْ من جديد، و افرحْ لغيرك، وساعدهم لترتقي. 
في الحقيقة كان مفتاح شجاعتي عالقًا في قفلٍ معلقٍ على بابٍ من أبوابِ المنال في داخلي. وما عرَفتُ مكانه أين، إلى أن أُتيحت لي فرص عديدة مع جمعيتنا. 
ولجتُ إلى عالمٍ غريب، بريئ، قلوب النَّاس متعبة، الأطفال اليتيمة الذين فقدوا أسرهم، الذين حُرموا من طفولتهم باكرًا، من التعليم، من الألعاب من حضن الآباء و الأمهات، بئس للقهر الذي يلتهم أرواحهم البريئة، ونِعمَ لطافتهم و كرم أخلاقهم. 
حتى الأمهات اللّواتي ترملْنَ و فقدْنَ، وازداد فيهم اليأس واجتاحت القسوة نوافذ بيوتهم. 
وماذا عن الهاربين من الحروب، و المتعايشين مع مرضهم و المسنين...؟
والكثير، الكثير... 
الكثيرون من الأبرياء متعددوا الجنسيات أتوا من مختلف الأقطار إلى هنا. 
عمدت "صلة" مع فريقي المتطوعات إلى خطط و مشاريع لنسعد هؤلاء النَّاس، و لندخل الفرحة على بيوتٍ ربما لم تزرْها لسنين. 
يسعدني أن أقول، في الواقع، لم أشعرُ يومًا منذ ثلاثة سنوات إلى يومنا هذا بغربتي عن جمعيتنا الكريمة و الفريق التطوعي المتميز و المتألق دائمًا. "صلة" عائلتي الثّانية الأكبر، علّمتني أن أسعى لأقدم للغير بمحبة، و أن لا فرق أبدًا بين النَّاسِ إلا في خُلُقِهم. بعيدين كل البعد عن وباء العنصريّة المسبب الأكبر لدمار العالم. 
مدرسةٌ شجّعتني على متابعة دراستي الحقوقية من أجلِ الآخرين و الدفاع عن حقوق النّاس الضائعة. وسّعت مداركي و ثقافتي الإجتماعية، تعرفتُ على صديقاتٍ رائعات. كثّفت الدورات التدريبية و اكتبستُ مهارة جديدة في تعليم الدروس للمحو الأميّة، و درَّبتُ على الإلقاء في المسرحيات وشاركتُ مؤلفاتي معهم. 
و كي لا ننسى الشهور المباركة و الطقوس الرّمضانيّة و الإحتفالات الإنسانيّة و المناقشات وأهم من هذا كلّه التعاون الذين عمّرَ فينا النّهوض. 
التّطوع عالم الخبرات الواسعة، حيثُ تدفَّقت المهارات التي علّمتني اللّطف مع النَّاس، و مساندتهم في المصاعب. 
أيُّها الإنسان،
 من لا يُسعد النَّاس لا يسعدهُ اللّه. و ليس لك أن تكونَ فقط منتسبًا على ورق، بل برهنْهُ بالأفعال، و أكثرْ من أعمالك الخيّرة، فكرم الله لا نهائية له. 
فالتّطوع كنزٌ، تَطوَّعْ لتصبح غَنِيَّ العقلِ و الفكرِ و القولِ و الأخلاق. فهلْ يُعقلْ أن يرى الإنسانُ كنزًا و أن لا يكترثَ له؟ 
الكنز بين يديك فماذا تنتظرُ بعد؟ 
 
كل عام و أنتم بخير 
يوم الإنسانيّة هو يوم التطوع العالمي
المتطوعة ميسّر سنجر